منتدى الأحلام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الأحلام


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قبلة لأمي ... قبلة للتابوت

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
marisa
الإدارة
الإدارة
marisa


انثى
عدد الرسائل : 281
العمر : 34
العمل/الترفيه : طالبة
المزاج : طيبة
8500 :
قبلة لأمي ... قبلة للتابوت Left_bar_bleue100 / 100100 / 100قبلة لأمي ... قبلة للتابوت Right_bar_bleue

رقم العضوية : 1
تاريخ التسجيل : 01/01/2008

قبلة لأمي ... قبلة للتابوت Empty
مُساهمةموضوع: قبلة لأمي ... قبلة للتابوت   قبلة لأمي ... قبلة للتابوت I_icon_minitimeالأحد مارس 09, 2008 8:46 pm

مرارة الأسئلة
ذاب السؤال في حلقي،.. حاولت مرة أخرى فلم أستطع، خشيت من غضب الكبار.‏
كانوا يسألون عن قضايا كبيرة ربما لم أفهمهما، وعن أمكنة كثيرة أعرف بعضها... فأنا الآن لم أتجاوز العاشرة، وهاأنذا أجلس خلف الرجال والنساء المتحلقين حول الرجل الطويل الأسمر الذي بدا مستنفراً للإجابة على أسئلتهم بكل الثقة والهدوء،.. وبكل التفاصيل التي يتوق لها الجميع.‏ ]حاولت التقدم قليلاً كي أستطيع مشاهدة الرجل عن قرب ـ سيما وأن غبش المساء أضاع ملامح الكثيرين،... نهرني أحدهم فتراجعت، لكني ما لبثت أن وجدت مدخلاً لرأسي بين كتفيين متباعدتين قليلاً،.. تملّيت الرجل جيداً... وجه أسمر، وعينان واسعتان، وكوفية تدلت أطرافها على كتفيه، ولحية سوداء فاحمة، لكني سرعان ما انشغلت بتلك البندقية التي ظهر كعبها الخشبي من تحت الفراش الذي يجلس فوقه... وظلت عيناي بين وجهه وبندقيته.‏
صار المشهد أكثر وضوحاً حين أشعلت الحاجة فطيم قنديل الكاز وعلقته على عامود الخيمة، فتساقط الضوء باهتاً على أطراف المصطبة الطينية، وتطاولت ظلال الرؤوس لترتسم على الخيام المقابلة.‏
.. بعض الوجوه صارت في الظلال، وبعضها تلوّن بذبالة القنديل الباهتة،... لكن وجه الرجل الذي أنظر إليه الآن صار أكثر مهابة وصار لـه لون نحاسي، واكتسب بريق عينيه سحراً خاصاً،... وتهدج صوته تهدجاً موحياً كلما ازداد سواد الليل من حولنا.‏
وتزاحمت الأسئلة من الرجال والنساء... وأنا أنتظر فرصة مناسبة لسؤالي.‏
ساد الصمت قليلاً، حاولت التحدث.. تناهضت... نظرت في وجه الرجل،... صار السؤال ناراً تأكل شفتي، تلعثمت قليلاً، ثم لذت بالصمت ـ وغرق وجهي في عيون الكبار التي امتلأت بالدموع.‏
أدركت على الفور أن لا مكان لسؤالي، ربما لن يسمعه أحد، أو أني وجدت جواباً كافياً حين قال الرجل لأحدهم: لا تسألوا عن البيوت فكلها دُمرت،... القرية التي تعرفها كومة واحدة من حجارة وتراب وحديد وغبار وذكريات،... ومع ذلك ظل السؤال في داخلي.‏
قلت: أيُعقل أن يعجز الرجل عن إجابتي وقد أجاب الجميع؟!.‏ ]هممت بالكلام، لكن سؤال أبو الوجيه أضاع فرصتي، قال للرجل: الفرس البيضاء المحجلة ألم ترها؟ ألم تلاحظ لها أثراً؟ قال ذلك وأجهش بالبكاء، ثم حاول التماسك قليلاً.‏
[size=12]قال الرجل: والله يا عم حين، اقتربنا من القرية مع لحظات الفجر الأولى، سمعنا صهيلاً مقطّعاً يأتينا عبر أشجار الكروم المحيطة بالقرية، ونباحاً متعباً يتردد صداه في الكثير من الأمكنة حتى خيّل إليّ أن رائحتنا هي التي أشعلت صهيل الخيول الضائعة، وأن أنفاسنا هي التي أنهضت نباح الكلاب التي تبحث عن أهلها، وذاك الخوار الحزين الذي امتد طويلاً في أعماق الأودية حين بدأت تستقبل الفجر،... ورأينا من بعيد قطعاناً تلج السفوح لا رعاة لها..، وكانت أجراسها تهز أعماقنا، وكأنها تحاول إيقاظنا من جديد... قال ذلك وقد رق صوته وتسربل بحزن شديد.‏
[size=12]ارتفعت همهمات، ونحيب مكتوم... نظرت في وجه أمي، كانت تحاول التقاط الدموع بأطراف ملفعها الأسود الباهت والكثير من الرجال ارتجفت شفاههم وهم يحاولون عبّ سجائرهم وأحزانهم وذكرياتهم وعجزهم.‏
[size=12]سالم... يا سالم بالله عليك ألم تشاهد عش السنونو في سقف بيتنا.. قلِ لي مشان الله...‏
[size=12]تنهد سالم، وعلت وجهه ابتسامة فاترة... يا شمسي راح البيت، وراح ا لعش وطيور السنونو تطير فوق الركام ولا أعشاش لها.‏
[size=12]سؤال شمسي أعجبني كثيراً، صار لدي الأمل أن أطرح سؤالي الآن، تناهضت من جديد فوق ركبتّي ودفعن برأسي قليلاً بين أكتاف الرجال، صار وجه سالم أمامي تماماً. بلعت ريقي، شعرت أن لعابي قد تجمد، وأن مرارة الكبار قد ملأت فمي، وأن دموع أمي قد ربطت لساني،... حاولت تحريك لساني قليلاً،... كان سؤال شمسي لا يزال عالقاً في ندى العيون وحشرجات الحناجر المتعبة... قلت: عمو سالم، أيقنت أن الصوت لا يزال في داخلي، لم يسمعني أحد.. حاولت مرة أخرى، لكن سؤالاً آخر قطع عليّ الطريق.‏
[size=12]قال أحدهم بعد أن مسح عينيه بطرف كوفيته:‏
[size=12]وماذا فعلتم بعد ذلك؟‏
[size=12]هل وصلتم إلى بيادر القرية؟‏
[size=12]وهل شاهدتم أكوام المحاصيل التي جمعناها قبيل خروجنا؟‏
[size=12]قال سالم: لقد ظللنا نرقب المكان من بعيد، نمنا في بطون أشجار البلوط، كان هدفنا أن نحدد أمكنتهم ليتسنى لنا مهاجمتهم في الليلة التالية.. كانوا يتحركون بحذر شديد على أطراف القرية والمرتفعات المطلة عليها، وثمة طائرات تدور في سماء المكان... قاطعه قادم جديد دخل مسرعاً بدا وكأنه سيجلس في أحضان الرجال، لكنه ما لبث أن دس جسده بين الأجساد بعد أن اهتزت الأكتاف وتعانقت الركب... حجبت ظلاله وجه سالم، لم أعد أراه جيداً، تجمع ضوء القنديل على ظهر الرجل الذي دخل الآن.‏
[size=12]تحركت من مكاني سريعاً، بحثت عن زاوية أخرى أتمكن من خلالها مشاهدة الوجه الذي أحببته كثيراً... كان همي أن أقترب منه أكثر قبل أن يدخل في تفاصيل الاشتباك، كنت أخشى أن أخسر كلمة من كلماته.‏
[size=12]شعرت للحظة أن سؤالاً آخر أنساني ذاك السؤال الذي أرقني منذ بداية اللقاء. نهض السؤال في داخلي، كيف وصل سالم ورفاقه إلى القرية؟.‏
[size=12]كيف استطاعوا العبور والكبار يقولون أن اليهود قد احتلوا الأودية والطرقات والمعابر وها قد مضى أكثر من شهر على خروجنا.؟!.‏
[size=12]آخ يا سالم لو تأخذني معك!!‏
[size=12]أقسم أني سأمشي كما تمشون، وسأقاتل كما تقاتلون... لست صغيراً يا سالم.‏
[size=12]تلاقت عيناي بعينيه، شعرت للحظة أنه سمع الصراخ في داخلي، حاولت الاقتراب أكثر.‏
[size=12]تلوّن حديثه بالرصاص، وامتزجت الدموع في المآقي بدماء الشبان الذين اقتحموا المواقع المعادية.‏
[size=12]وحين أوغل الليل بدت أضواء القناديل تطل من شقوف الخيام القماشية التي تحمل رائحة الشموع المحترقة وهي تحاول التخلص من حرارة الظهيرة اللاهبة...‏
[size=12]نهض سالم وقد تنكب بندقيته معلناً عودته إلى القاعدة.. طارت خلفه العيون وهو يجتاز أوتاد الخيام المتداخلة... وظلت الكثير من الأسئلة عالقة في فضاء المخيم.‏
[size=12]استدرت حول المصطبة الطينية، وارتكزت عيناي في المكان الذي جلس فيه سالم، وظلت كوفيته وبندقيته تحتل ذاكرتي، وأدركت تماماً إن الإجابة على أسئلتي معلقة على فوهة بندقيته....‏
[size=12]الآن صار وجهي كوجه أبي، ولأسئلتي طعم آخر، وأصبحت أعرف الكثير...‏
[size=12]لكن الطفل الذي ينام في داخلي لا يزال يصر على السؤال:‏
أين كتبي وأقلامي ودفاتري؟‏
[size=12]قبل خروجنا بأيام رسمت لوحة فيها عصافير وأشجار وشمس ويخيل إليّ الآن أنها تطير فوق الركام... أو أن أطراف محفظتي بكل ما فيها تطل من تحت حجارة البيت.‏
كان لي قلم وممحاة وعلبة ألوان ودفاتر صغيرة مزينة، اشتراها والدي ووعد أن يدفع ثمنها بعد الحصاد...‏
أين هي الآن؟‏
إن كل الإجابات التي ابتكرها الآن لم تستطع إقناع الطفل الذي ينام في أعماقي، وكلما حدثته بحكمة الكهول.... يحدثني عن سالم وبندقيته ورفاقه الذين عبروا خطوط الموت واستنهضوا صهيل الخيول... أصمت، أتوحد معه، وأعود ذاك الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة يوم خروجنا... وأعود من جديد لأحمل سالم وبندقيته ورفاقه وقناديل الخيام التي مزقت أطراف الظلام في تلك الليلة، وتنهض في داخلي تلك الأيام حين كنا نرقب الدروب انتظاراً لعودة سالم ورفاقه... ثم يتوالد في أعماقي سيل من مرارة الأسئلة.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://marisa.ahlamontada.com
 
قبلة لأمي ... قبلة للتابوت
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأحلام :: أدب وشعر :: الروايات-
انتقل الى: