جنون الليل وجنون الابداع

شاهدت احداث العمل التليفزيوني المتميز جنون الليل للمخرج محمد القفاص الذى قام ايضا بكتابة العمل بمشاركة الكاتب احمد فردان وقد وجدت نفسي مع بداية الحلقات لا املك اي قرار سوى ان اتابع حلقات العمل بإنتظام فقد تمتع العمل بالعديد من العناصر الجذابة سواء فيما يتعلق بجرأة العمل واحداثه المشوقة او اجتماع هذه الكوكبة من النجوم المحببين في الدراما الخليجية والسورية
اتخذ الكاتبان احمد فردان ومحمد القفاص الليل رمزا لإنهيار القيم الدينية والاخلاقية فى مجتمعاتنا الحديثة وما يترتب عليه من تفككك اسرى واجتماعى وسيطرة المادة ولغة المصالح الشخصية ليصبح الانسان مجرد حيوان ليلي اسيرا لشهواته الجسدية او لجشعه المادي او الاثنين معا وهذا ما نراه متمثلا فى شخصية ابو طلال ( غازي حسين) فنراه اما وهو يبني امبراطوريته الاقتصادية براس المال المشبوه او فى سهراته الماجنة مع فتاه استعبدها مستغلا حاجتها المادية ( روعة ياسين ) تاركا اسرته وسط دائرة من الانهيارات النفسية والاخلاقية فالابن الاكبر طلال نموذج من نماذج التحضر الزائف لا يعرف عن الحياة سوى الخمر وهوايته المفضلة فى التصوير لدرجة انه لا يرى اى مشكلة فى ان يصور علاقته الحميمة مع وهى لشجاعة كبيرة فى ان يتعرض العمل لتلك القضية الجريئة والابن الاوسط فواز شخصية انفعالية مترددة مليئة بالمتناقضات يقيم علاقات مع العديد من الفتيات وينقلب حبه لخطيبته راسا على عقب لمجرد معرفته انها كانت على علاقة حب سابقة مع احد الشباب والابنة الصغرى شهد (مروة خليل ) فتاة ضائعة تبحث عن هدف لها فى الحياة ليخرجها من حياة اسرتها الزائفة فلا تجد الا ان تتخذ من الحب هدفا لتقيم علاقة حب مع الميكانيكى الذي يصلح سياراتها فتسلل كل ليلة خلسة لتلتقي به غير مبالية باي تقاليد
ويقدم لنا العمل العديد والعديد من النماذج الضائعة رغم ايجايبياتها مثل شخصية جابر(سعيد قريش ) الذي لا يرضي ان يتزوج من يحبها رغما عن اهلها وشخصية غالية التى تصر على ان تصارح زوجها بقصة حبها الاول والزوجة المتدينة ( بدرية احمد) التى تحاول ان تصلح من شأن زوجها العابث والابن البار بأبيه ( خالد البريكي) الذي يحاول ان يقدم له كل شيئ ولكن الاب دائما ما يفضل عليه الابن الاصغر
وقدم لنا العمل العديد من المواهب الشابة فى مجال التمثيل مثل الفنانة مروه خليل واميرة محمد ويزداد تألق العديد من نجمات الدراما الخليجية وعلى راسهم الفنانة بدرية احمد فهى بحق عروس العمل برقتها وادائها البسيط ويشاركها فى ذلك الجميلة فاطمة عبد الرحيم باطلالتها الجذاب وقد كان الفنان خالد البريكي فى اصد ق حالاته الفنية بوجهه المعبر وادائه الذي سرعان ما يصل للقلب و هو فى تقدم ملحوظ فهو يتبع مدرسة الاداء غير معتمدا على وسامة اوخفة ظل ونفس القول ينطبق على الفنان سعيد قريش الذى كان نجم العمل بحق و ادى دورا نفسيا شديد الصعوبة فهو الانسان الرقيق الحائر بين رغبة ابيه فى الانتقام وبحثه عن الحب الضائع اوبمعني ادق بحثه عن نفسه فهو اكثر شخصيات العمل رومانسية فالحب لشخصية جابر كان بمثابة هدف للحياة او الحياة ذاتها وقد ادى الفنان محمد مبارك دور الاب الحاقد الراغب فى الانتقام بإقتدار واضح
لدرجة انني لا اتخيل اى فنان اخر فى هذا الدور كأنه خلق له وتالقت بحضورها المحبب الفنانة روعة ياسين فى العمل تالقا ملحوظا يفوق بكثير تالقها فى الدراما السورية واجتهدت الفنانة رنا الابيض بشكل ملحوظ ولكنى ارى انها كررت نفس الشخصية فى العديد من العمال وهو دور الفتاة المتمردة واعتقد انها فى حاجة لمراجعة حساباتها الفنية خصوصا بعد نجاحها الملحوظ فى الدراما السورية والخليجية على حد سواء
وقد استطاع الفنانان عبد الله عبد العزيز وناصر عبد الرضا وبإقتداران يقنعانا بالتحول الذى طرا على شخصيتهما فى نهايات الحلقا ت فالاول نراه فى بداية الحلقات رومانسيا حالما وفى الحلقات الاخيرة نجده عنيفا وقاسيا الى اقصى الدرجات والثانى الانسان العابث بضحكاته الساخرة وما نلبث ان نشاهده فى نهاية العمل وهو يبكي بحسرة شديدة وقد عبر عن تلك المرحلة بمنتهى الصدق الفني لدرجة ان درجة انكساره فى الحلقات الاخيرة قد فاقت انكسار الاب (غازي حسين) بعد وفاة ابنته شهد ويعتبر الفنان غازي حسين قمة القمم فى العمل فرغم انه ادى فى هذا العام دور الشرير فى الكثير من الاعمال التليفزيونية مثل شاهين وعرس الدم فنجده فى كل عمل مختلفا وادائه وحضوره على الشاشة فوق مستوى اى تقييم
ولا استطيع ان احصر عدد المواهب التمثيلية فى العمل فقد ولكنى اشيد دا بالفنان ناصر محمد فكم كان متالقا فى وبخاصة فى الحلقات التى تلت اختفاء صديقه وقد حقق المعادلة الصعبة فى اداء الكوميديا والتراجيديا معا فى هذا العمل وقد ادى الفنان سعد الفراج دور الصديق الخائن ببراعة شديدة ودوره يعتبر من اصعب شخصيات العمل فهو نموذج للشر والخسة منقطعة النظير بلا اى نقطة خير واقناع المشاهد بتفاصيل تلك الشخصية تحتاج الى فنان موهوب بحق
واوجه تقدير خاص للفنانين الذين قاموا بادوار الشباب المهاجر فقد عبروا بحساسية وصدق شديدين عن احساس الشباب الضائع الباحث عن فرصة فى الحياة وكان على راسهم الفنانان منصور الجداوي وفوزي احمد بخفه ظلهما و روحهما الخفيفة ويشاركهما فى ذلك الفنان راشد سعد بأدائه البسيط وانا بهذا الصدد اقدم تقدير خاص للفنان الموهوب امير الدسمال فقد كان مشهد تحطيمه للكوخ عقب ترك تخلى صديقه عنه مشهدا معبرا ويحتاج الى جهد نفسي كبير لانه اداه بمفرده وهو اقوي مشاهد العمل و رغم صعوبة ادوار هؤلاء الشباب فقد استطاعوا ان يوصلوا لنا احاسيسهم بعيدا عن اى مبالغة و قد وقع فى خطأ المبالغة الفنان محمد ياسين فى دور الاب والفنان محمد الصايغ فى دور الابن الاصغر وشاركته فى ذلك الوجه الصاعد نجوى واتمنى ان لا يكرروا هذا الخطأ فى اعمالهم القادمة
ولا اعيب على العمل الا نهايته المأساوية فاغلب شخصيات العمل كان مصيرها اما الموت او الضياع فاذا كان وفاة شخصية شهد له مبرره الدرامى لحدوث التحول الاخير فى شخصية ابو طلال فلا اعتقد ان انتحار شحصية غالية كان مبررا و كان يكفى لتلك الشخصية كل ما عانته من قسوة و ظلم طوال حلقات العمل واعتقد ان تلك النقطة كانت شديدة السلبية فلا نرى فى نهاية العمل اي بارقة امل حتى اصبح جنون الليل مجرد ليل اسود حالك لا نرى منه الا الضياع
ولا يخرج من تلك الدائرة المأساوية الا شخصيتى طلال وزو جته بدرية احمد فعودتهما لحياتهم الزوجية معا كانت مفاجاءة العمل بحق وفكرة طفلهما القادم اعطت املا جديدا للفكرة التى طرحها العمل وهى الامل فى غد افضل رغم كل فساد المجتمع وكل ذلك لا ينفى الكثير من النقاط التى تحسب للعمل واولها هى ريادته فى معالجة العديد من الموضوعات والقضايا التى طالما ما كنا نخجل من الخوض فيها
فقد استطاع جنون الليل ان يقم تلك الموضوعات بعيدا عن اي ابتذال بل وفى صورة فنية شديدة الرقي
وكانت فكرة الخواطر التى كان يلقيها ابطال العمل مع انفسهم فكرة مبتكرة وان طالت بعض الشيئ ولا انسي اغنية المقدمة بكلماتها المعبرة للشاعر عبد الرحيم الصديقي وغناء الصوت الصادق روعة بمشاركة المبدع احمد الهرمي الذى ساعدت موسيقاه التصويرية التى اعدها معه الفنان ياسر البنا فى تصعيد الاحداث الدرامية والتعبيرعن كل الاحاسيس الخاصة بشخصيات العمل وقد ساهمت الاضاءة واستخدام اللون الابيض والاسود فى تدعيم ذلك واظهار المشاعر المتخبطة التي يمر بها جميع الابطال وكل ذلك بفضل مدير التصوير المبدع عبد النبى فردان
في النهاية اوجه تحية وتقدير لكل من ساهم فى انجاز هذا العمل وبخاصة المبدعان احد فردان ومحمد القفاص لتصديهما لقضية العمل الجريئة وتقديمها فى تلك الصورة الممتعة

شكوررررررررر